لغة النحل

لغة النحل

مقدمة

كما أن للإنسان لغة تفاهم وهي النطق فقد وهب الله سبحانه وتعالى للنحل لغات خاصة يتم من خلالها التفاهم، وهذا اغرب ما اكتشفه العلم الحديث في عالم الحشرات حيث وجدوا أن النحل يتواصل عن طريق الرقص وعن طريق استعمال الفورمون كرسالة كيمائية.

لغة الرقص

يرى فون فريش، ومساعدوه بعد بحوث اتصلت أكثر من نصف قرن من الزمان، أن النحل يقوم بالتفاهم مع النحلات وإخبارها بمكان تواجد مكان الرحيق من خلال الرقص، ولقد أيده في ذلك باحثون آخرون، حتى أن أحدهم أتقـن فهم أسرار تلك اللغة الغريبة، فكان يفك ألغاز رقص النحلة المستكشفة ويترجمها إلى اتجاه محدد ومسافة محسوبة، ومن ثم يستطيع أن يبلغ الغـذاء الذي كانت تنبأ بموضعه..! فعلى سبيل المثال: إن كان الرقص على خط مستقيم فوق الخلية فمعنى ذلك أن مكان الأزهار في اتجاه الشمس تماماً.. أما إن كانت الأزهار في الاتجاه المعاكس لجهة الشمس، تخط النحلة المخبرة خطاً مستقيماً في الاتجاه المعاكس تماماً.

لغة النحل
لغة النحل

انظروا..! فالنحلة الآن ترقص إلى جهة اليمين تماماً، وهذا يظهر أن منبت الأزهار يوجد على زاوية (90) درجة مئوية من الجهة اليمنى، أما هذه النحلة فتعرّف لزميلاتها بزاوية 45 درجة من الجهة اليسرى للشمس.

ثمة سؤال: النحلة تعرّف الجهة وفقاً للشمس، غير أن حركة الشمس دائبة، في كل أربع دقائق تميل إلى جهة الغرب بمقدار درجة واحدة، ويتوقع أن تقع النحلة في الخطأ، لكن يتبين أن النحل تحسب حركة الشمس هذه أيضا فعند تعريف النحلة المخبرة الجهة لزميلاتها لا تنسى أن تضع فرق حركة الشمس في حسابها فكلما مر أربعُ دقائق َتميل درجة إلى جهة الغرب في الزاوية التي حددتها بفضل هذا الحساب الدقيق تهتدي النحلة إلى جهتها دون أي خطأ.

النحل المخبرة لا تخبر عن جهة الأزهار فحسب، بل تخبر عن المسافة أيضاً، فمدة الرقص وعدد الاهتزازات تُعلم النحلات الأخرى المسافة بدقة، وهي بعد حساب المسافة تخرج وقد تزودت بالغذاء الكافي.

تجارب وبحوث

أقيمت في كاليفورنيا بأمريكا اختبارات عن خصائص النحل المدهشة.. في الاختبار وُضعت ثلاثةُ أواني مملوءة بالماء المحلى، وتركت في ثلاث أماكن متفرقة، بعد مدة كشفت النحلات المخبرة مكان هذه المصادر.

النحلة التي وصلت إلى الإناء الأول عُلّمت بنقطة (.)، والتي وصلت إلى الثاني عُلّمت بمستقيم (-)، وأما التي وصلت إلى الإناء الثالث فعُلّمت بإشارة الجمع (+).

لوحظ بعد دقائق أن النحلات في الخلية تابعت النحلات المخبرة وانتبهت إليها بدقة، فوضع العلماء إشارة النقطة على النحل التي كانت تتابع النحلة المعلَّمة بالنقطة، وعلّموا النحل المتابعة للنحلة المخبرة بعلاماتها، وبعد دقائق وصلت إلى الإناء الأول المعلمات بالنقطة، وللإناء الثاني المعلمات بمستقيم، وللإناء الثالث المعلمات بإشارة الجمع، وهكذا ثبت أن النحلات في الخلية اهتدت إلى جهتها اعتماداً على النحلات المخبرة.

تساؤلات

كل هذا الكلام حقائق تتطلب التفكر فيها بدقة، ترى كيف ظهر التنظيم بين النحل بشكل لا يصدق؟.. ولماذا تقوم بمهمة المخبر حشرة صغيرة ليس لها عقل واعي ولا إدراك؟.. كيف تفكر بالبحث عن مصدر الغذاء وتخبره لزميلاتها؟.. ولو فكرت بهذا؟.. كيف استطاعت تطوير تقنية الرقص الذي تخبر به عن مصدر الغذاء ومسافته أيضاً؟.. كيف استطاعت النحلات في الخلية أن تفهم معنى حركات جسم النحلة المخبر وارتعاشاته؟..

للنحل لهجات أيضاً..!

ليـس هذا وحسب، بل إن فون فريش قد اهتـدى إلى أن لأنواع النحـل وسلالاته لهجات من تلك اللغة الفريدة، فنحلة العسل القـزمة مثلاً (وهي نوع غير النحل المستأنس) ترقص علـى سطح أفقـي، ومن ثم يكون خط اتجاه الشمس موازياً لخط الشرق والغرب، لا مطابقاً لخط الجاذبية العمودي كما ذكرنا.

كذلك السلالة النمساوية (النحل الكرنيولي) من النحل المستأنس، لا تؤدي رقص الاهتزاز إلا بعد أن يتجاوز موضع الغذاء نحو ثلاثمائة متر بعيداً عن الخلية، أما السلالة الإيطالية فإنها تؤدي رقصة خاصة، تسمى الرقصة المنجلية، للدلالة على الأبعاد المتوسطة بين رقصتي الدوران والاهتزاز..!.

لغة الفورمون

لقد أكتشف علماء الحشرات أن النحل يستخدم بعض المواد الكيميائية كرسائل يتم إرسالها من خلال إفراز مواد تدعى (الفورمون) تنتج من غدد في جسم النحل يتم استقبالها بوساطة حاسة الشم الحساسة لدى النحل، ومن أبرز من أيد هذه النظرية هو عالم الحشرات فنر وبعض معاونيه (وعلى الأخص جونسون) يعتبرون أن النحلة تعتمد أساساً على الروائح كلغة للتفاهم فيما بينها، وقاموا بإجراء سلسلة من التجارب استنتجوا منها، أن النحل عندما يتجمع حول النحلة الراقصة يلتقط منها مجموعتين من الروائح: رائحة الغذاء وروائح الموضع المحيط بالغذاء، وهـذه الروائح تعلق بجسم النحـلة عند ارتيادها للمكان الـذي اهتدت إليه، وعلى الأخص على الشعيرات المنتشرة على جسمها، ويلتقـط النحل المتجمع حولـها هذه الروائح عندما يتحسسها بقرني الاستشعار (وهمـا عضوا الشم، كما ذكرنا).

هذا فضلاً عن أن النحلة الراقصة تتوقف بين الفينة، والفينة لتمج من فمها عينات من الرحيق تتذوقها العاملات المحيطات بها، ومن ثم يعرفن رائحة الغذاء وطعمه أيضاً، ويضاف إلى هذا وذاك، أن النحلة المستكشفة تترك رائحة جماعاتها في المكان الذي ترتاده وتجد فيه منتجعاً طيباً لها ولأهلها، كما أنها تبرز غدة خاصة للرائحة في جسمها كي تنتشر الرائحة في المكان، وعلى الأخص إذا لم يكن للغذاء رائحة مميزة بارزة (وسبحان الذي خلق فسوى وقدر فهدى)..!.

وعلى هذا كان فير وجونسون يعتقدان أن النحل بعد أن يعرف ما يعرف من النحلة المستكشفة ينطلق مع الريح متشمماً طريقه إلى موضع الغذاء، وتجمع النحل هناك يعتبر إشارة إضافية إلى أفراد أخرى تنضم إلى جماعة العاملات الجانيات للرحيق وحبوب اللقاح.

ولكن فنر رجح عام 1971م. أن يكون لروائح المكان (لا روائح الغذاء) الأهمية الأولى، وهذا ما يشار إليه باسم (نظرية العشيرة أو الجماعة) يرجع فيها أهمية خاصة، إلى طيران النحل في أسراب فهذا يساعد على اشتراك النحل الطائر مع بعض الأفراد المستكشفة في الاهتداء إلى المنتجع مسترشداً، بروائح مختلفة من الغذاء والموقع..!.

شارك المحتوى:

Dr. Saleem Talal

Read Previous

نظريات الحجامة

Read Next

تفضيـلات في أوقـات الحجـامة